قصة سيدنا يوسف : الرؤيا ، المؤامرة ، المراودة ، تنفيد المكيدة .
سورة يوسف عليه السلام ، سورة مكية ، يبلغ عدد اياتها 111 ، وهي السورة الوحيدة التي تقص قصة كاملة في القرآن الكريم ، بكل أحداثها ، وتفاصيلها الدقيقة .
كما أنها تحمل عددا كبيرا من المشاهد المتعددة ، والتي نرصدها اليكم كاملة على مراحل ، ويتمثل أول مشهد في :
1: الرؤيا :
في هذا المشهد الأول ، نجد أن سيدنا يوسف عليه السلام يجتمع مع سيدنا يعقوب " الأب "، ويخبره ما رآه في المنام ، حيث قال كما جاء في القرآن الكريم :
:" إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِين َ" سورة يوسف . الاية : 4.
فجاء الرد على هيئة أمر من سيدنا يعقوب ، إذ أمر ابنه سيدنا يوسف عليه السلام بعدم قص الرؤيا على إخوته ، و بكتمان سر ما رآه ، وذلك من شدة خوف سيدنا يعقوب من حسد أبناءه ليوسف عليه السلام .
كما تنبأ له بمستقبل يتفضَّل الله عليه بجملة من الكرامات تتمثل في تفسير الرؤيا والنبوة والحكم .
2: المؤامرة :
في هذا المشهد الثاني ، يذكر عز وجل أنواع المكائد التي يدبرها الإخوة للتخلص من أخيهم يوسف عليه السلام ، وهي اثنان :
الأولى : مكيدة القتل .
والثانية : إبعاد يوسف عليه السلام ونفيه إلى أرض أخرى ،كما تبينه الاية الكريمة من سورة سيدنا يوسف :
" اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضاً يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْماً صَالِحِينَ " . الاية :9 . من نفس السورة .
فالغيرة والحسد أعمت بصيرتهم كما تبين الاية الكريمة ، إلى أن تطورت الفكرة واستقرت بإلقائه في الجبِّ بدل قتله .
3: المراودة :
هنا يبتدئ الإخوة بتنفيذ المكيدة ، وذلك لاستدراج يوسف عليه السلام ، حيث سيطلب الإخوة من أبيهم سيدنا يعقوب عليه السلام ، بأخذ يوسف عليه السلام معهم ، مع تأكيد حرصهم عليه و رعايته ، لكن سيدنا يعقوب عليه السلام سيبدي خوفه على يوسف ، كما جاء في قوله تعالى في الاية : 13 من نفس السورة :
" إِنِّي لَيُحْزِنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ وَأَخَافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنْتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ ".
لكن الإخوة سلكوا طريق المراوغة والمراودة لإقناع أبيهم ، حتى أقنعوه وأرسل سيدنا يعقوب يوسف عليه السلام معهم ، رغم تخوفه على أساس أنهم سيحمونه !.
4: تنفيذ المكيدة :
في هذا المشهد ، سيبدأ الإخوة بالتخلص من أخيهم يوسف ، وذلك بإلقائه في الجبِّ ، انتقاما منه ، ففي اعتقادهم أن أباهم يجب يوسف عليه السلام حبًا جما ، وأنه أخذ حبهم منه . لذلك أرادوا التخلص منه بهذه الطريقة التي لا تمت للأخوة ولا الإنسانية بصلة .
بعد هذا المشهد يأتي مشهد اخر ، يجمع بين سيدنا يعقوب وأبناءه ، بعد عودتهم منفذين خطتهم ، والدموع تنهمر من أعينهم حزنا على أخيهم الصغير " سيدنا يوسف "، { رُوِيَ أنه لما سمع يعقوب بكاءهم فزع ، وقال : مالكم يا بَنِيَّ؟ ، و أين يوسف ؟ ،" قَالُوا يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ " ، أي نتسابق " نجري"، " وَ تَرَكْنَا يُوسُفَ عِنْدَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ " ، أي تركنا يوسف عند ثيابنا وحوائجنا ، ليحفظها فجاء الذئب فأكله ، " وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ ".
أي أنت لست بمصدق لنا ، في هذه الاقوال ، ولو كنا في الواقع ، صادقين . فكيف وأنت تتهمنا وغير واثق بقولنا ؟ ، وهذا القول منهم يدل على الشك والارتباك .
ولتأكيد كلامهم ، جاءوا بقميص عليه دم كذب ، وقيل أنهم ذبحوا شاةً ، ولطخوا بدمها القميص ، لكن سيدنا يعقوب ، قال : كذبتم ، لو أكله الذئب لخرق القميص ، وروي أنه قال : [ ما أحكم هذا الذئب ، أكل ابني ولم يشق قميصه !؟.
يعني أن سيدنا يعقوب عليه السلام ، شكَّكَ في خبر موت ابنه يوسف عليه السلام ، ولم يصدقه ، ففوَّض أمره إلى الله ، كما تظهر الاية الكريمة :
" وَجَاءُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ المُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ "، سورة يوسف الاية :18.
هذه الاية ، تلخص حجم الحزن والأسى ، التي أحس بها سيدنا يعقوب عليه السلام ، لكن ما باليد حيلة ، لم يجد أمامه سوى الصبر وتفويض أمره لله عز وجل ، وقبول ابتلاءه.
تعليقات
إرسال تعليق