السرد : معناه ، وظائف السارد ، السرد والبنية السردية في الرواية المستويات السردية ، محكي الاقوال و الاحداث والأفكار .
السرد : معناه ، وظائف السارد ، السرد والبنية السردية في الرواية المستويات السردية ، محكي الاقوال و الاحداث والأفكار .
السرد الروائي :
الرواية نص سردي يحكي أحداثا متخيلة ، والذي يتولى السردَ يسمى ساردا " narrateur “ ، وفي كل رواية ينبغي دائما التمييز بين القصة " histories" ، والخطاب " discour".
تدل القصة على مجموع الأحداث المتخيلة التي يتم حكيها في النص ، في حين أن الخطاب يتمثل في جملة العناصر والاليات التي يتحقق بها السرد . فالخطاب هو العملية التي تنتقل بواسطتها القصة من عالم الإمكان إلى عالم الوجود الفعلي هي هيئة نص قابل للقراءة .
أما السردانية "naratologie" ، أو علم السرد فهو النشاط الذي يطلع بدراسة الأشكال السردية .
السارد ووظائفه في الرواية :
تجزم السردانية باستحالة تصور وجود رواية بدون سارد ، لأنه بكل بساطة لا يمكن أن يكون ملفوظ بدون ذات متلفظة وعملية التلفظ وآثار دالة على كل ذلك النص .
وقد يكون السارد مشخصا في النص ، أي شخصية من شخصيات القصة التي يحكيها ، وقد يكون غير مشخص في نفس القصة ، أي لا يحسب في عداد الشخصيات ، وفي هذه الحالة فإن القارئ سينسى وجود السارد كما يحدث عادة للمشاهدين الذين يتتبعون ربورطاجا تلفزيا ما ، فيتجاهلون الكاميرا .
نشعر عادة بأن السرد شفاف وبأننا نخترقه مباشرة وبدون واسطة ونعيش مع الشخصيات . كما لو كنا جزءا منها، بل إن هذه الشخصيات تشعرنا بأنها حقيقية وموجودة بالفعل ، وذلك كله بسبب أنه جاء متواري وقيامه بالسرد مع ذلك.
وظائف السارد :
يظطلع السارد سواء كان مشخصا أو غير مشخص بوظائف عدة منها :
1: وظيفة التصوير :
ذلك أن الأحداث لا ترتقي إلى وعي المسرود له إلا عبر وساطة السارد .
2: وظيفة المراقبة والضبط :
فالسارد هو من يراقب الشخصيات ويتتبع أحوالها ، بل إنه ليعلق على أقوالها وأفعالها ويصدر أحكاما بشأنها .
3: وظيفة سردية :
تتمثل في أن المَهَمَّة الأولى المقبولة للسارد هي السرد ، فمختلف المواقف والأحداث التي نصادفها في الرواية تدل دائما على سارد لا يني ( يكف)، يقول في خفاء إني أحكي .
4: وظيفة تنظيمية:
ما أكثر الروايات التي يتحدث فيها السارد علنا ، عن كيفية تدبيره للعالم الروائي ، وتنظيمه لمجَرَيات السرد .
5: وظيفة تواصلية :
في كثير من الأحيان يتوجه السارد للمسرود بالكلام ، وهذا التواصل بين الطرفين ، يكون ظاهرا كما هو الحال في رواية الرسائل وقد يكون خفيا ، إذا كان المسرود له غير مشخص في القصة .
6: وظيفة الشهادة :
السارد يشهد ضمنيا بأن الشخصية حقيقية حتى وإن كانت وهمية .
7: وظيفة إيديولوجية :
لا يكتف السارد عادة بسرد الأحداث دونما تدخل فيها ، ذلك أنه يُكيِّفُها لتُعَبِّر عن رؤية العالم ، و لتترجم إيديولوجية ما، وتتعاظم أهمية هذه الوظيفة خاصة في الروايات الفلسفية ، وكذا في الرواية التي تعبر عن أطروحة ما ( روايا الأطروحة).
البنية السردية في الرواية :
1: لعبة الظمائر :
يمكن للمؤلف أن يسند وظيفة سرد الأحداث لأحد الشخصيات ، وهذه الحالة يجسدها السرد بضمير المتكلم .
من أمثلة ذلك نأخذ الروائية "فاتحة مرشيد"، التي توكِل أمر سرد الأحداث في روايتها الموسومة بعنوان :" لحظات لا غير "، إلى ( أسماء الغريب )، وهي إحدى الشخصيتين المركزيين في الرواية.
و يسمي " جيرار جونيت "، Gerrard Genette" ، هذا النمط ساردا حكائيا متماثلا narrateur hemodiegetique ، ( hemo= مماثل؛ diegetique=العالم الحكائي "زمن، شخصيات…) ، أي مشخصا في عالم الأحداث الروائية مثله مثل باقي الشخصيات .
- لكن المؤلف قد يسند عملية السرد إلى سارد غريب عن العالم الروائي . حيث لا يكون شخصية ضمن الشخصيات ، من أمثلة ذلك " سارد رواية "، بداية ونهاية لنجيب محفوظ .
فهو ليس شخصية من الشخصيات مثل، " حسن "، و " حسنين "، فلا نعرف له موقعا ولا حالة مدنية ( أي اجتماعية)، ولا نعرف سنه ، أو إن كان ينام ويتحرك ويرى كباقي الشخصيات .
باختصار ، إنه مجرد صوت يبث خطابه من نقطة لا مرئية ، فهو غير مشخص في العالم الروائي ، و يسمي " جيرار جونيت" هذا النمط الثاني ، بأنه سارد حكائي متغاير narrateur hetesorodiegetique .
وتجدر الإشارة إلى أن السارد الحكائي المتماثل ليس على نمط واحد ، حيث يمكن التمييز بين صنفين :
سارد / شاهد : يحكي أحداثا يلعب فيها دورا ثانويا ، من أمثلته : سارد le grand maulnes في رواية Alian Fournier ، ففي هذا النص يتبنى السارد شخصية من شخصيات الرواية تُتابع باعتبارها شاهدة عليها ، وهذه الأحداث تتمحور حول شخصية أخرى بمثابة "البطل".
السارد / البطل : وهو الصنف الثاني أي الذي يسرد قصة يلعب فيها دور الشخصية المحورية . ففي هذه الحالة يسمى السارد "ساردا ذاتيَ الحكي "، ومن أمثلة هذا النمط الأخير رواية Adolphe لِ Benjamin constant ، ومن أمثلة ذلك رواية : " القوس والفراشة "، لِ " محمد الأشعري "، فالذي يتولى سرد الأحداث في هذا النص من البداية إلى النهاية ، مظطلعا بوظيفة الشخصية المحورية هو " يوسف الفَرْسيوي ".
ومن الضرورة بمكان إلى الإشارة إلى أن استعمال ضمير المتكلم المفرد في رواية من الروايات ، لا يعني بالضرورة أن السارد حكائي متماثل ، كما أن استعمال ضمير الغائب المفرد في السرد لا يعني بالضرورة أن السارد حكائي متغاير .
فكل من ضمير المتكلم أو الغائب رهن إشارة السارد أيا كان ؛ مشخصا في العالم الروائي أو غير مشخص .
المستويات السردية :
{ كان ذلك عند نهاية عشاء جمع عدادا من الرجال ، حيث السجائر تشتعل وتنطفئ دون توقف والأبواب تملأ وتفرغ يعلوها الدخان و تشجأت عسر الهضم والخذَر الخفيف الذي يجتاح الرؤوس بعد أن التهمت الأفواه ما لا حصر له من اللحوم والسوائل الممزوجة ، حينئذ طفِق بعضهم عن السحر و التنويم …}.
هذا المقطع يستدعي الملاحظات الاتية :
إن هذه البداية النمطية " المألوفة"، تجعل القارئ يشعر بأن أحد أفراد المجموعة التي تحلقت حول العشاء هو من سيحكي قصة السحر والتنويم ، أي ما تبقى من القصة ، لذلك يمكن الحديث عن مستويين سرديين ، هما :
مستوى المحكي الأول ، ومستوى المحكي الثاني ، ولكل من المستويين سارد خاص به ؛ فثمة سارد ينتج عن المحكي الأول ونعني به محكي نهاية العشاء .
وداخل هذا المحكي الأول هناك شخصية تتولى السرد لتحكي قصة السحر والتنويم . ولذلك فإن سرد المحكي الأول ( محكي سرد العشاء)، يقع في المستوى الأولي الذي يسمى المستوى خارج الحكاية ، Niveau extradiegetique ، ، أما محكي الأحداث التي يحكيها هذا السارد الخارج حكائي فهي تنتمي إلى مستوى يسمى حكائي diegetique ، أو داخل حكائي Niveau intradiegetique.
والنتيجة أن وجبة العشاء تنتمي إلى مستوى داخل الحكائي ، لكن حكاية السحر والتنويم تنتمي إلى مستو ى أكثر عمقا ، وهو الذي يسمى المستوى الميطاحكائي Niveau metadiegetique ، والحاصل أن السارد الأول يسمى ساردا حكائيا خارجيا ، لأنه من حيث كونه ساردا لا ينتمي إلى أي عالم روائي ، ( الزمن ، الفضاء ، الشخصيات ) .
أما السارد الثاني - الذي يحكي قصة السحر والتنويم - ، فهو مندمج في العالم الروائي الذي صنعه السارد الأول وهو نفسه موضوع من موضوعات السرد .
محكي الأقوال ومحكي الأحداث ومحكي الأفكار:
تشتمل الرواية على نمطين من المحكي ، هما : محكي الأحداث ومحكي الأقوال .
من أمثلة محكي الأحداث :
{ لقد مر من الوقت على ما يربو الساعتين ، وها أنا ذا ماكث في المقهى أحتسي كأس شاي كل شيء يبدو عاديا } .
ومن أمثلة محكي الأقوال :
{ الأهم هو أن أكتب الأحداث كما تقع يوما بيوم ، ينبغي أن أعكف على مذكراتي حتى يكون بإمكاني أن أرى كل شيء بوضوح حيث لا تعزب عن بالي الفروق الدقيقة بين الأشياء بل التفاصيل نفسها }.
في المقطع الأول اذن ، يتعلق الأمر بأحداث في حين مدار المقطع الثاني على الأقوال ، أي على ما تصرح به الشخصية وما تحدث بها نفسها .
فالنمط الأول يخص ما جرى للشخصية أو ماسيجري لها ، أو ما تفعله أو ما ستفعله أو فعلته .
في حين أن المقطع الثاني يتعلق بموضوع خاص وهو أقوال الشخصية ، وبخصوص الأقوال يمكن للسارد أن ينقلها حرفيا كما يمكنه ألا ينقلها بأمانة فيتصرف فيها ويتدخل فيها بهذا القدر أو ذاك .
لذلك يمكن التمييز بين ثلاثة أنماط من الخطابات :
1: الخطاب المسرَّد le discours narrativisee:
في هذه الحالة تندمج أقوال الشخصيات في السرد الذي يقوم به السارد ، مثال : { التقيت بفاطمة تحادثنا لحظة أخبرتني بسفرها الوشيك إلى فرنسا }.
2: الخطاب المحول le discours transpose :
في هذه الحالة يقوم السارد بتحويل أقوال الشخصية إلى الأسلوب غير المباشر ، مثال : { تحادثنا لحظة ، قالت لي :* أنها ستسافر إلى فرنسا *}.
3: الخطاب المنقول le discours rapporte
في هذه الحالة يعمد السارد إلى النقل الحرفي لكلام الشخصية بصيغة الخطاب المباشر ، مثال : { تحادثنا فقالت لي : * سأسافر إلى فرنسا *}.
ويذهب "جيرار جونيت " إلى أن المونولوج الداخلي الذي يسميه تسمية جديدة هي : -* الخطاب المباشر *، أي بدون وساطة السارد ليس سوى الأسلوب المباشر مع فارق بسيط هو أنه غير منقول ، أي أنه يُقَدَّم للمسرود له مباشرة ، دون وساطة السارد ، ودون مقدمات ودون مزدوجتين .
ولذلك فهذا الخطاب الذي يتم من غير واسطة يتمكن في نهاية المطاف من محو الآثار السياقية الدالة على السارد الذي يفترض أنه يستشهد به .
وبطبيعة الحال فإن هذا التطور الذي يكشف عنه "جيرار جونيت " ، يختلف اختلافا جذريا عن التصور التقليدي للمونولوج الداخلي باعتباره فكرا ناشىء في ذهن الشخصية ، يسمح لنا السارد بأن نتعرف عليه عن قرب .
محكي الأفكار :
يجب أن نميز بين الأقوال والأفكار ، وبالتالي بين محكي الاقوال ومحكي الافكار ، لأنه عادة مايقع الخلط بينهما .
ويذهب "جيرار جونيت " إلى أن الأفكار هي بمثابة " كلام صامت "، أما dorrite kohn ، في تحليلها للحياة النفسية داخل الرواية ، فهي تنظر إلى المساءلة نظرة خاصة ذلك أنها تكشف عن خصوصية " الخطاب الداخلي من خلال دراسة ثلاث تقنيات وهي :
- المحكي السيكولوجي psycho-recit : يقصد به المحكي الذي يتم بواسطة السارد ويتعلق بالحركات النفسية والذهنية للشخصية ، تلك الحركات التي لا يفترض أن هذه الشخصية قد تأملتها ونقلتها إلى اللغة .
- الحوار الداخلي المنقول : وهو يدل على ذلك الخطاب الذي يتبلور في ذهن الشخصية أي تلك العبارة التي تقولها الشخصية لنفسها ويتولى نقلها بأمانة .
- الحوار الخارجي : وهو الذي ينقل الحياة الشخصية ومواقفها التي ترد على ذهنها ، ولكن السارد يتصرف فيها بالنقص والتعديل غالبا .
تعليقات
إرسال تعليق