الحوار في قصة نوح عليه السلام ، حوار نوح مع قومه ، حوار نوح مع ربه ، حوار نوح مع ابنه بالتفصيل المبسط .

الحوار في قصة نوح عليه السلام ، حوار نوح مع قومه ، حوار نوح مع ربه ، حوار نوح مع ابنه بالتفصيل المبسط . 


أنواع الحوار في قصة سيدنا نوح عليه السلام .



لقد ورد ذكر سيدنا نوح عليه السلام  في القرآن الكريم ، أكثر من أربعين مرة ، وذكرت قصته في عدة صور من بينها : سورة الأعراف ، و يونس ، و الشعراء ، و القمر ، و نوح ، و هود … ومفادها أن الله سبحانه وتعالى ، إنما أرسل نوحاً إلى قومه لينصحهم بعبادة الله وحده ، وإفراده بالعبودية ، وينهاهم عن عبادة الأصنام والطواغيت ، لكن القوم الكافرين تمادوا في غيهم وظلالهم ، فكذبوه ، ولم يصدقوه حتى يئِس سيدنا نوح عليه السلام ودعا عليهم :

" وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ لاَ تَذَرْ عَلَى الأَرْضِ مِنَ الكَافِرِينَ دِيَّاراً  ، إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُظِلُّوا عِبَادَكَ وَلاَ يَلِدُوا إِلاَّ فَاجِراً كَفَاراً " نوح ، الاية : 27 .

وبالعودة إلى مضمون القصة ، نجد أن أحداثها تنامت بشكل متسلسل في قالب حواري ، اتخذ أشكالا وأنماطًا مختلفة : 

لعل أول حوار يصادفنا ، ونحن بصدد دراسة قصة نوح هو :

الحوار الذي دار بين نوح وقومه :

فبعد أن أخبر الله تعالى نوحا أنه أرسله  إلى قومه ، لينذرهم من عذاب أليم ، خوفا من استمرارهم في ظلالهم ، فيهلكهم الله هلاكا أبديا . فامتثل عليه السلام لذلك ، وخرج إلى قومه راجيا هدايتهم ، وحاملا لهم الرسالة الإلهية ، والهدي المنصوص . قائلا : 

" إِنِّي لكم نَذِيرٌ مُبِين، أَنْ لاَ تَعْبُدُوا إِلاَّ اللَّه ، إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ أَلِيم". هود : 26 .

" قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِين ، أَنِ اعْبُدُوا اللهَ وَ اتَّقُوهُ وَ أَطِيعُون " . نوح : 2-3

فجاءت دعوة نوح صريحة واضحة ، ظاهرة المعالم تتلخص في الإنذار والتحذير من عذاب أليم ، وذكر أنه دعاهم بأنواع الدعوة بالليل والنهار ، وبالسر و الإجهار .

لكن هذا لم ينفع معهم ، بل زادهم إصرارا و استمرارا على الظلالة ، والطغيان ، وعبادة الأصنام والأوتان ، و تكذيب الرسول عليه الصلاة والسلام ، بل أكثر من ذلك واجهوه بالسخرية ، والافتراء كما تبين الاية الكريمة :

" قَالَ المَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ ، إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ظَلاَلٍ مُبِين ، قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي ظَلاَلَةٌ ، لَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ العَالَمِين " الأعراف ، الاية : 60 - 61.

وقالو أيضا :

" مَا نَرَاكَ إِلاَّ بَشَراً مِثْلَنَا ، وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلاَّ الذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْي ، وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْل بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِين " سورة هود ، الاية : 27 .

تعجبوا من أن يكون بشرا نبيا ، فكيف يعقل أن يختار الله بشراً ، مثلنا ، يأكل الطعام ، ويمشي في الأسواق ، ويُجْعَلَ منه نبيا رسولا ! 

واستهزؤوا بمن اتبعه ورأوهم أراذلهم ، ظنوا أن الدِّين الذي يدعوهم إليه سيدنا نوح ، لو كان حقا ما سبقهم إليه الأراذل ، فقالو :

وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِين "  ، أي لم يظهر لكم أمر بعد اتصافكم بالايمان ولا مزية علينا بل أنتم كاذبون !.

فرد عليهم :" قَالَ يَا قَوْمِ أَرَيْتُم إِنْ كُنْتُ عَلَى ‏بَيِّنَة مِنْ رَبِّي وَأَتَانِي رَحْمَة مِنْ عِنْدِه فَعَمِيَت عَلَيْكُم أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَ أَنْتُم لَهَا كَارِهُون ". 

سلك عليه طريقة لطيفة في الحوار معهم . ليبين لهم أن النبوة والرسالة من عند الله ، وإن لم تهتدوا إليها ، أنغضبكم ونجبركم عليها وأنتم لها رافضون ؟ . 

" يَا قَوْمِ لاَ أَسْأَلُكُم عَلَيهِ مَالاً " وَقَال : " وَلا أَقُولُ لَكُم عِنْدِي خَزَائِن الله وَلا أَعْلَمُ الغَيْبَ وَلاَ أَقُولُ إِنِّي مَلَك ".

فأقر عليه السلام كما تبيت الايات الكريمات ، أن دعوته هذه ، لا ينتظر عليها مقابلا ماديا ، ولا معنويا ، و لا يملك خزائن الارض وكنوزها فيطمعهم بها للايمان له ، ولا يعلم الغيب حتى يتخذوه كاهنا أو واسطة ، وليس ملاكا ، فهو مجرد بشر مثلهم ، يحمل إليهم رسالة ربانية . 

لكن القوم لم يصدقوه ، وتبنوا منطق المساواة الرخيصة والمزايدات ، و اشترطوا عليه طرد الفقراء والمستضعفين الذين آمنوا له ، لكنه أبى عليهم ورفض ، لأن الدعوة تشمل كل طبقات المجتمع ، والدين لا يقتصر على فئة دون أخرى .

كما تبينه الاية الكريمة على لسان سيدنا نوح عليه السلام:

"وَمَا أَنَا بِطَارِدٍ الذِينَ آمَنُوا إِنَّهُم مُلاَقُوا رَبِّهِمْ ، وَلَكِنِّي أَرَاكُم قَوْماً تَجْهَلُون ".

 وقال أيضا :" وَيَا قَوْم مَنْ يَنْصُرْنِي مِنَ الله إِنْ طَرَدْتُهُم ، أَفَلاَ تَذْكُرُون " سو هود ، الاية : 31 . 

بعدما رفض  سيدنا نوح عليه السلام الانصياع لرغبتهم ، تحول خطاب الذين كفروا من السخرية والاستخفاف إلى التعجيز ، ظنا منهم أن نوح سيتراجع و يتوقف عن متابعة دعوته . 

" قَالُوا يَا نُوح قَد جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا ، فَاتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِين " سورة هود : الاية 

 فالدعوة قد طالت مدتها ، كما توضح الاية ، وهذا ما نفهمه من خلال قولهم " فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا "، إذ استمرت " أَلف سَنَة إِلاَّ خَمْسِينَ عَاماً " ، ومع ذلك تشبتوا بكفرهم ، ولم ينفع معهم لا النصح و لا الرشد ، طيلة هذه المدة .

كان هذا جزء من الحوار الذي دار بين نوح وقومه ، والذي حاولنا الاحاطة به بمختلف أشكاله . والان ننتقل إلى نوع اخر من أنواع الحوارات التي دارت في قصة نوح ، وهي :

الحوار الذي دار بين نوح و ربه :

 والذي لا يقل أهمية وقيمة عن سابقيه . وهو حوار جاء  عن طريق الوحي والدعاء :

لما بلغ سيدنا نوح عليه السلام درجة من اليأس ،  ونفذ صبره على قومه ، جراء ما لاقاه من الصد والاستخفاف ، توجه عليه السلام إلى الله عز وجل .

" قَالَ رَبِّي انْصُرْنِي بِمَا يُكَذِّبُون " الاية : 26 . من سورة المؤمنون .وقال أيضا ." فَدَعَا رَبَّه أَنِّي مَغْلُوب فَانْتَصِر " ، سورة القمر 10.

توضح الايات الكريمات ،  مدى خيبة الأمل التي أصيب بها سيدنا نوح عليه السلام في قومه ، كما نلاحظ ارتفاع في درجات الانفعال والامتعاض في الدعاء ، الشيء الذي يؤكد مدى الكفر و الجحود  الذي قابلوه به ، مما دفعه إلى الدعاء عليهم بشكل لم يدع به رسول بعده .

والله سبحانه وتعالى تقبله وزكاه ، لكن الاستجابة كانت على مراحل .

في البداية ، كان خطاب الله عز وجل على شكل مواساة وتعزية ، حيث قال  :" لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلاَّ مَنْ قَدْ آمَنَ فَلاَ تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُون " هود : الاية 31.

فبعد خطاب الله عز وجل ، الذي كان على شكل مواساة ،لا تحزن يانوح ولا تبتئس ، ولا تبال بهم وبأفعالهم فقد مقتهم الله وأحق عليهم العذاب ،  جاء أمره الإلهي :" وَ اصْنَعِ الفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنا ، وَلاَتُخَاطِبْنِي فِي الذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُون " سورة هود : 37.

فجاء التحذير مباشرة بعد الامر بصنع السفينة " لاتخاطبني "، بألا يراجعه نوح ، أو يلتمس له الاعذار .

قبل أن نمر الى نوع اخر من الحوارات ، لابأس ان نتوقف عند الامر الالهي ، ونتأمله ، اذ قال سبحانه :" وَاصْنُعِ الفُلْكَ بِأَعْيُنِنا" ، اصنع السفينة في البر ، أمر غريب حقا ، نوح لم يكن نجارا ولا خبيرا بصنع السفن ، ولا ملاحا ، ولا خبيرا بشؤون الملاحة ، وركوب البحر والأغرب من كل هذا أن الاقليم الذي كان فيه نوح بعيد كل البعد عن البحر والدليل على ذلك سخرية القوم منه ، فلو كانت المنطقة ساحلية لكان صنع السفينة أمرًا منطقيا ومعقولا .

لكن رغم هذا لم يتراجع سيدنا نوح ، صنعها وامتثل للأوامر الإلهية ، مطبقا كل اوامره ، ليأتي أمره سبحانه بجمع زوجين اثنين من كل مخلوق ، ويركبوها باسم الله مجراها ومرساها ، أي باسم الله ستجري ، وباسمه سترسو ، بدون محركات ولا قوة بخارية ولا شراع …

الحوار الذي دار بين نوح وابنه :

قال تعالى : 

وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالجِبَالِ ، وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا وَلاَتَكُن مَعَ الكَافِرِينَ٤٢ قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ المَاءِ قَالَ لاَعَاصِمَ اليَوْمَ مِنَ أَمْرِ اللهِ إِلاَّ مَنْ رَحِمَ وَحَالَ بَينَهُمَا المَوْجُ فَكَانَ مِنَ المُغْرَقِينَ ". سورة هود : 43 .

بعدما وصف عز وجل جريان السفينة ، وكأننا نشاهدها ذكر الحوار الذي دار بين نوح وابنه ، حيث تبرز عاطفة الأبوة التي لم تسمح لنوح بترك ابنه وإن كان كافرا ، فحاول جاهدا إنقاذه من الهلاك وهذا أمر طبيعي في علاقة الأبوة ، لكن الابن العاق تجبر وتكبر، وظن أنه سينجو من الماء بارتقائه جبلا يمتنع فيه من الماء ، ناسيا إرادة الله وقدرته . 

حوار  نوح مع ربه :

من حواره عليه السلام مع ربه ، قوله تعالى في كتابه العزيز :" وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّي إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَ إِنَّ وَعْدَكَ الحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الحَاكِمِينَ 45 ، قَالَ يَانُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ ، إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِح ٍ فَلاَ تَسْأَلْنِي مَالَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ، إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الجَاهِلِينَ 46 ". سورة هود .

في هذه الايات الكريمات ، ذكر سبحانه وتعالى مناشدة نوح عليه السلام ربه في ولده ، وسؤاله عن غرقه على وجه الاستعلام ، و الاستكشاف ، نوح الذي قال في السابق :" إني مغلوب فانتصر "، نجده يناشد ربه في ولده ، ويلتمس له الأعذار "ربي ان ابني من أهلي "، وأنك وعدتني بنجاة أهلي معي ، وهو منهم وقد غرق .

فأجيب  ؛أنه ليس من أهلك ، أي ليس من الذين وعدت بنجاتهم " وَأَهْلَكَ إِلاَّ مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ القَوْل @ هود ، الاية :40 .

وكان ممن سبق عليه القول منهم ، بأنه سيغرق بكفره . غريبة هي عاطفة الأبوة ، ابن عاق كافر ، تمرد على أبيه ، كذَّب رسالته ، وهو يحاول أن يشفع له ، عليه السلام ، لكن أمر الله قضي لانه عمل عملا غير صالح ، وانت  تسرع وتطلب له الرحمة ، حذار يا نوح أن تكون من الجاهلين . فتدارك نوح عليه السلام الموقف ، فاستعاذ بالله ، وطلب المغفرة منه ، كما جاء في الاية :47 ، من سورة هود . 

" قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَالَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَ إِلاَّ تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الخَاسِرِينَ ".

وجاء رد الله عز وجل بعد هذا الدعاء ، بما يفيد قبول الدعاء وتجاوز عن الزلة ، بأمر نوح عليه السلام ، بعد نضوب الماء عن وجه الأرض ، وإمكانية الاستقرار عليها بالهبوط من السفينة التي استقرت على جبل الجودي ، لإعمار الأرض . 

تعليقات