مدخل لقراءة المتن الرشدي ، تعريف ابن رشد
تعددت الصور التي نجد لهذا الفيلسوف في تاريخ الفلسفة ، و الذي اعتبرته أغلب المدارس الفلسفية إبان النهضة الأوروبية ، بمثابة الشارح الأكبر لأريسطو .
بينما اعتبرته فئة أخرى من المفكرين ، بمثابة فيلسوف التوفيق بين العقل و النقل . مميزين في كتاباته بين ما هو من تأليفه الخاص . حيث يتم الوقوف هنا عند الثلاثية الشهيرة : تهافت التهافت ، وفصل المقال ، و الكشف عن مناهج الأدلة .
و بين ما هو شرح يردد فيه " ابن رشد" آراء الاخرين ، خصوصا آراء "أريسطو" . فضلا ، عن اعتباره الفقيه الأمير للدولة الموحدية .
كل هذه الصور المتعددة لا تكشف لنا عن حقيقة "ابن رشد" ، وبالتالي عن مكانته داخل تاريخ الفلسفة ، مما يتطلب منا إعادة النظر في أعماله ، و محاولة الكشف عن المراحل الفكرية التي مر منها في إطار التطور الفكري . لكي نصل في الأخير إلى التساؤل عن المؤلفات التي تستحق بالفعل أن نعتبرها الممثل الحقيقي للرشدية .
أي المؤلفات التي يمكننا أن نقول عنها ، أنها تمثل الآراء الفعلية " لابن رشد" ، في كثير من القضايا الفلسفية ، والفكرية .
و لهذا الغرض نجد انفسنا مجبرين على رصد مختلف المراحل الفكرية "لابن رشد " ، في إطار وحدة المشروع الرشدي .
وايضا لمعرفة "ابن رشد " الحقيقي ، يتطلب بالضرورة الحديث عن أنماط الكتابة الرشدية ، والتي يمكن إجمالها في :
المختصرات :
التي تغطي أربع أهم المباحث ، وهي على التوالي :
المنطق .
علم النفس .
علم الفلك .
أصول الفقه .
وتعد أول أعمال "ابن رشد" ، كسابقة على خروج المشروع الرشدي الكامل للوجود فيما بعد ، وهي عبارة عن شروح صغرى ، لا تحكمها نظرة فلسفية واحدة ومتكاملة ، ولا تربطها بنية فكرية واحدة ، ولا تجمعها إحالة مرجعية واحدة ، سوى أنها تروم إنقاذ ماهو ضروري من المعرفة العلمية ، لحصول الكمال الإنساني " كما عبر عن ذلك الأستاذ "جمال الدين العلوي ".
الجوامع :
وقد صنفها هي الأخرى الأستاذ "العلوي" ، ضمن "الشروح الصغرى " ، ولكن رغم ذلك تبقى مختلفة تماما عن المختصرات . وهي شروح مدققة ، ومختصرة تميز بين صياغتين اضغط 👈 .
التلاخيص :
تقوم على تلخيص و تخليص الأريسطية من الشوائب الأفلاطونية .
وبالتالي يمكن اعتبار التلاخيص امتدادا متطورا للجوامع الأرسطية ، والارتباط بها ، على اعتبار أنها أرقى فسفلة ممكنة، وخاتمة للنماذج الفلسفية .
المؤلفات الموضوعة :
هي ليست شروحا ، وإنما هي مؤلفات ، مثل : كتاب الكليات في الطب ، و كتاب بداية المجتهد ونهاية المقتصد ، في أصول الفقه ، فصل المقال ، الكشف عن مناهج الأدلة ، و تهافت التهافت .
ولا يستقيم المقام بالحديث عن المتن الرشدي دون معرفة "ابن رشد" ولو في لمحة بسيطة.
من هو ابن رشد ؟
"ابن رشد" هو عالم من أكبر علماء عصره ، اسمه الكامل "أبو الوليد محمد بن أحمد بن رشد الأندلسي القرطبي" .
ولد عام 502 هجري ، اشتهر في العلوم الفلسفية ، و الطبية ، وعلم الفلك ، و الرياضيات .
كان طبيبا ، وفيلسوفا ، وقاضي قضاة ، ونحويا ، و لغويا ، وحافظا للشعر.
وكان يتميز بدفئ اللسان ، ورجاحة عقل وحكمة ، و متحدث جيد ، وحديثه مقرون بالحجة .
تقلد عدة مناصب منها:
قاضي القضاء بإشبيلية ، ثم قاض قضاة قرطبة ، و طبيب خاص للخليفة بمراكش .
كان يؤمن بأن الكمال الإنساني ، لا يستقيم إلا عن طريق المعرفة ، وهذا مبعوث من إيمانه بتميز الإنسان ، بالعقل والنطق ، لا يتم هذا الكمال إلا بالمعرفة و تحصيل العتاد الثقافي.
وقيل عنه أنه لم يفارق القراءة إلا ليلتين : ليلة وفاة أبيه ، وليلة زواجه .
ألف عدة مؤلفات ، منها :
مؤلفات تقع على أربعة أقسام :
شروح ، و مصنفات فلسفية وعلمية ، شروح ومصنفات طبية ، كتب فقهية ، وكلامية ، وكتب أدبية ولغوية .
لابن رشد 108 مؤلف. أحصاها جمال الدين العلوي ، لكن لم يصلنا منها إلا 58 مؤلفا بالعربية .
حقيقة ، يصعب الإلمام بشكل كلي عن "ابن رشد" ، كهرم و موسوعة فكرية عظيمة ، فاقت كل العطاء ، لذلك سنكتفي بإعطاء نبذة جد مركزة عنه ، وحتى لا نبخسه حقه ، سنكتفي بذكر أهم ما يميز "ابن رشد" وما يشتهر به ، وللأمانة "ابن رشد" أكبر من هذا التعريف بكثير ، لذا لا نستطيع القول أننا جمعنا تعريفا جامعا مانعا له .
و لمن يهمه الأمر يمكنه البحث في مواطن أخرى عن هذا الرائد الكبير، في عالم الفكر و الثقافة.
تعليقات
إرسال تعليق