أنواع الرواية البوليسية تحت المجهر .
الرواية اللغز :
لقد أثارت نوعية الرواية البوليسية ، جدلا كبيرا وسط النقاد والدارسين .
بين من يرى أن الرواية البوليسية ، لا تنقسم إلى أصناف ، وإنما هي فقط تجسيد لأشكال تاريخية مختلفة ، و هاته الفكرة أوردها boilaux narcejac .
في مقالته الشهيرة تحت عنوان :" نوعية الرواية البوليسية " ، و هي فكرة تبناها العديد من الدارسين والنقاد بعده .
حيث تم رفض مفهوم "النوع " ، واستبداله بتقسيم أنواع الكتابة فيها ، إما : بالكتابة على الأدب ، أو على القصة .
وقد وجد هذا التقسيم في الكتابة ، اتفاقا ضمنيا بين العديد من رواد هذا الجنس الأدبي ، كونه يضم و يجمع العديد من القصص البوليسية في نوع واحد وموحد .
هذا الموقف الذي يفسر أن التفكير الأدبي الكلاسيكي المميز عن القصة ، كان ذو صبغة جزائية ، حيث أن كل قصة لم تلتزم بقوانين النوع ، فهي قصة سيئة وغير ناجحة !
عكس هذا الطرح نجد أن الرومانسيين ، قد رفضوا رفضا قاطعا الامتثال والاعتراف بقوانين الأنواع ، هذه الاخيرة التي ظلت بطيئة التطور ليومنا هذا.
بيد أن هناك ميول للبحث عن وسيط ، بين مفهوم عام للأدب ، وهذه الأعمال الأدبية خاصة .
و"الرواية البوليسية " ، ليست النوع الأدبي الأنسب والأصلح لتجاوز القوانين ، بقدر ماتعد مجسدة لها بامتياز .
ولتحديد الأنواع داخل الرواية البوليسية كجنس أدبي مستقل ، ينبغي ولابد من وصف الأصناف ، وتحديدها كخطوة أولى .
والبداية ستكون مع الرواية الكلاسيكية ، أو كما تسمى الرواية اللغز ، تلك التي ازدهرت بين الحربين .
هذا النوع البوليسي "الرواية اللغز "، عرف محاولات عديدة وجادة ، بخصوص تحديد قوانينه .
وكانت أبرز القوانين التي وضعت للرواية اللغز، كونها مبنية على قصتين ، العشرون قانون الذي وضعها Van Dine.
لكن هذه القوانين ما يميزها ، كونها لم تصقل ، وتظهر بشكل جيد الا مع Michael Butor، من خلال روايته الشهيرة L’emlpois du temps .
و George Burton الذي بين أن "كل رواية بوليسية مبنية على اثنين من أنواع القتل : الأول ارتكبه المجرم ، كمناسبة للثاني . حيث أن ضحية القاتل خالصة ، وبدون عقاب للمتحري " .
أما الحكاية فتعرض سلسلتين زمنيتين :
أيام التحقيق المبتدئة بالجريمة ، و أيام الدراما المؤدية لها .
اذن فالرواية اللغز ، في نظر مؤيدي هذا الطرح تقوم على قصتين :
قصة الجريمة ، وقصة التحقيق . وهما قصتان لا تجمع بينهما أي نقطة مشتركة .
وهنا تكون الرواية اللغز ترمي إلى هندسة مخططاتية محضة .
وللتمييز بينها وتوضيح صورتها ، يمكن القول أن القصة الأولى "قصة الجريمة "، تروي ما حصل في الماضي ، في الوقت الذي تفسر فيه القصة الثانية " قصة التحقيق "، كيفية التعرف على أسباب الجريمة .
وهذا التقسيم ليس بالغريب ، اذ نجده حاضرا في كل قصة أدبية تقريبا ، وكان أول من اكتشفه الروس قبل أربعين سنة .
اذ الحكاية عندهم ، هي ما حدث في الحياة ، وهو مفهوم يتعلق بالواقع المعاش ، مع الأحداث المماثلة لتلك التي تحدث في حياتنا .
أما الموضوع ، في نظرهم فهو الطريقة التي يمثلها لنا الكاتب ، وهو متعلق بالكتاب نفسه ، و بالحكاية والتصرفات الادبية التي يعتمدها الكاتب .
أما انعكاس الزمن داخل الحكاية فلا وجود لها ، حيث تُتبع الأحداث بتسلسلها الزمني الطبيعي .
إضافة إلى أن الكاتب لا يمكنه تقديم النتائج على الأسباب ، أو النهاية على البداية .
وهذين المفهومين لا يميزان مفهوم جزئية القصة ، أو قصتين مختلفتين ، وإنما هما وجهين لنفس القصة ، أو بمعنى أصح عبارة عن رأيين لنفس الشيء .
وهذا التعارض طرح سؤال وجيه ، عن كيفية تمكن الرواية البوليسية من جعل الاثنين حاضرين جنبا إلى جنب ؟
هذا التناقض تم تفسيره بأن للرواية البوليسية ، قانون خاص للقصتين معا، ذلك كون القصة الأولى " قصة الجريمة " ، من حيث أنها قصة الغياب ، تتميز بعدم حضورها في الكتاب مباشرة .
بيد أن الراوي لا يمكنه نقل الحوار المباشر للشخصيات المدمجين في القصة ، ولا حتى وصف تصرفاتهم ! .
حتى و إن أراد ذلك ، سيجد نفسه مجبرا على المرور من شخصية أخرى ، أو من الشخصية نفسها .
أما القصة الثانية : من حيث أنها كلام مسموع ، أو أفعال مُلاحظة ، فهي قصة ليس لها أهمية حتى لنفسها ، كونها قصة تهدف فقط ، الربط بين القارئ و قصة الجريمة .
ورواد هذا النوع أي الرواية البوليسية ، متفقون على ضرورة أن يكون أسلوب هذا النوع الأدبي شفافا للغاية ، وواضح وبسيط ، بل مباشر .
اذن نستنتج مما سبق أن الرواية اللغز ، عبارة عن قصتين :
الأولى: غير موجودة ، ولكن واقعية ، بينما الثانية : موجودة ، ولكن ليست بدَالة .
وهذه الثنائية " ثنائية الحضور والغياب ، تفسر وجود نمطين أساسين لإستمرارية الرواية البوليسية "وبالضبط نوع الرواية اللغز بالتحديد".
النمط الأول : يحمل العديد من المحادثات ، والمراحل الأدبية المجسدة في الانعكاس الزمني ، ورؤى خاصة . حيث يكون مضمون كل إفادة محددة من طرف شخص ينقلها.
فلا يمكن أن تكون ملاحظة دون ملاحظ ، ذلك أن الكاتب بكل بساطة ، لايمكنه أن يكون كلي المعرفة ، كما هو الشأن في الرواية الكلاسيكية ، أو كما تدعى الرواية اللغز .
وبهذا تبدو القصة الثانية ، بمثابة المرتع الخصب للبرهنة ، وتجنيس كل التصرفات .
وحتى تكتسي طابعا طبيعيا ، على الكاتب أن يفسر من البداية ، أنه يكتب كتابا ، الشيء الذي يجعل القصة الثانية ، مبهمة وغامضة على اعتبار أن الأسلوب يجب أن يكون محايدا ، وبسيطا وغير مفهوم .
اقرا ايضا :
الرواية البوليسية : الرواية السوداء والرواية اللغز الفرق بينهما .
تعليقات
إرسال تعليق